خلف الابواب المغلقة
عقب كل تغيير وزاري أو في حركة المحافظين يرفع كل مسئول عقيرته بالوعود ويقطع علي نفسه عهوداً. ويكاد يقسم بأغلظ الايمان بأنه سيفتح أبوابه أمام الجمهور وسيعمل علي حل المشاكل وسيسهر علي راحة الجميع. وسينزل إلي الشارع ويسير وسط الناس وفي الأسواق لتفقد أحوال الرعية ثم ما يلبث أن تفتر حميته وحماسه يوما بعد يوم عندما يدخل مكتبه الوثير ويندثر بالفراش الوثير المخملي فينسي كل شيء حتي نفسه. ويتفرغ لمصالحه الخاصة وليذهب الآخرون إلي الجحيم طالما هو باق في منصبه. أو ربما لم يحن الوقت بعد للتغيير. وهذا بالطبع لا ينطبق علي الجميع فهناك من هو جدير بالمنصب ويعمل بما يمليه عليه ضميره تاركا أجره علي الله. وبصماته للتاريخ كي نذكره بالخير ونترحم علي أيامه أو ندعو له بأن يكثر من أمثاله ويبارك الله له في صحته وفي أولاده.
وأغلب ظني واعتقد ان الكثير يؤيدني في ذلك أن المناصب تغير أصحابها خاصة اذا كان صاحبه علي استعداد لذلك. فما هو فيه "أمله" لم يكن يحلم بها في يوم من الأيام وسرعان ما يتغير وتتساقط عنه الأقنعة وينسي القريب قبل البعيد وحتي أقرب الناس إليه. فلا يهمه ذلك والدنيا رئيس ومرءوس ويبدأ في غلق أبواب مكتبه ولا يسمح بالدخول إلا للضرورة القصوي كي يريح ويرتاح وأيضا كي لا يري تلك الوجوه التي اعتاد عليها فتذكره بماضيه أو كي لا يرق قلبه فيلين ويبدأ الكيل بمكيالين. فيظلم هذا ويمنح ذاك كل حسب أدواره ودرجة قربه إلي قلبه. ومن هنا تبدأ المشاكل ويحتدم الصدام ويزداد الصداع ويكثر النفاق والمزيد من التودد من جانب الرعية. وبالتالي مزيد من غلق الأبواب وتكميم الأفواه والجأر بالشكوي وهكذا دواليك.
والغريب ان مديري المكاتب أو السكرتارية تساهم في ذلك بشكل كبير وقد يكونون هم أحد الأسباب الرئيسية المؤدية إلي أن يغير هذا المسئول من جلده وأحيانا مبادئه إذا كان صاحب مباديء وقيم وحافظاً للجميل. فليس من مصلحة من هم خلف الأبواب المغلقة أن يدخل هذا أو ذلك. فالمكتب ليس وكالة بدون بواب. وهو البواب ولكن في ثياب موظف شيك أو سكرتيرة حسناء تجيد فن الكلام وبكل لغات العالم. وطبعا البيه القابع في مكتبه يجد في ذلك راحة من وجهة نظره ولكن الذي لا يعلمه انه من وجهة نظرهم وسيلة للتربح واضفاء الهيبة علي أنفسهم. فيكثر التودد إليهم من قبل الرعية كي يتمكنوا من ايصال شكواهم أو مطالبهم للبيه. وجميعنا يعلم ذلك ويفهمه جيدا فهو يهمه ألا تكون المسألة "سداح مداح" فيخسر دوره أو يخبو ضياؤه وطبعا ليسوا جميعا كذلك فهناك مَنْ هم علي درجة كبيرة من الثقافة والحصافة والذكاء وشخصية تكسب ود الجميع ولكن أقصد بعض الدخلاء علي هذه المهنة التي أعتبرها الوسيط بين الرئيس والمرءوس أو العملاء بشكل عام. وفي أيديهم انجاح البيه أو افساده أو افشاله أو الزواج منه اذا كانت سكرتيرة حسناء.
صراحة يقع علي عاتق المسئولين مهام جسام فالمسئولية ليست سهلة والمسئول يجب أن يتحلي بصفات القائد وعلم النفس الاجتماعي أفرد أبوابا عن الشخصية القيادية والكاريزما المصاحبة لها والتي هي مفتاح النجاح والاستمرار في العمل. وبالتالي في المنصب. شخصية قادرة علي استيعاب كل ما حولها والسيطرة عليها دون سياط أو ظلم وهي التي تفهم ما اذا كان مدير المكتب أو السكرتير يستفيد أو يتربح من ورائه؟ وهي التي تعي متي تمنح وتحجب أو تعاقب؟ كما إن مثل هؤلاء الوسطاء عليهم مسئولية انجاح العمل وتسييره بيسر اذا كانوا يمتلكون الخبرة والأهم منها وهو الضمير والاخلاص للعمل أو للصالح العام. ويجب أن يكونوا أمناء وشرفاء ولا يفرقون بين هذا أو ذاك. وأن يقدموا التقارير والبوسطة اليومية أو الشكاوي للمسئول مع المتابعة وكتابة الملاحظات وإلا كانوا مجرد "بوسطجية".
فقد وصلتني شكاوي عديدة من القراء بأن شكواهم لا تصل إلي المسئولين. أو اذا وصلت فلا يتم البت فيها أو الرد عليها. وهذا تأكدت منه من رصدي لأبواب الشكاوي في كافة الصحف والمجلات فحجم الردود لا يتعدي 5% من أكوام الشكاوي بالاضافة إلي أن الكثير من محاولات الاتصال بالمسئولين تبوء جميعها بالفشل لأن مدير المكتب أو السكرتير لا يريده الاتصال بالمسئول مباشرة ظنا منه أن ذلك سيلغي دوره حتي ولو كان المتصل صحفيا وهذا لمسته بنفسي فمثلا عندما حاولت الاتصال بأحد المسئولين عن مركز للأبحاث لا يهمني ذكر اسمه دوخني مدير مكتبه "السبع دوخات" وكأنني أطلب مخاطبة الوزير أو حتي رئيس الوزراء مما جعلني أسب وألعن وأتساءل إذا كان هذا الحال مع الصحفي فكيف مع المواطن العادي؟.. في حين لم أجد صعوبة عندما اتصلت برئيس مجلس إدارة شركة مخابز القاهرة الكبري الذي حادثني بتواضع وتفهم مطلبي غير الشخصي.
ان تبسيط الأمور أفضل بكثير من تعقيدها. وهذا هو المتبع في أوروبا والدول العربية فلا وسيط ولا حجاب بين المواطن والمسئول فالأبواب مفتوحة علي مصراعيها لمن يرغب طالما يحمل شكواه وهناك ضرورة واذكر عندما كنت أعمل محررا في صحيفة الراية القطرية كنت أدخل مكاتب الوزراء وأركب معهم سياراتهم التي يقودونها بأنفسهم وكلهم تواضع وأدب جم. نريد إزالة الغشاوة من فوق الأعين وأن نكون أكثر تواضعا فمن يتواضع لله يرفعه. والمناصب لا تدوم فسبحان مغير الأحوال. نريد أن يخرج المسئول إلي الشارع ويستمع إلي شكاوي المواطن نريد تحطيم القيود وفتح الأبواب المغلقة لرؤية النور فكل راع مسئول عن رعيته. وسنحاسب جميعا أمام الله عن أفعالنا وما ارتكبناه في حق
الوطن والمواطن. فدعوة المظلوم ليس بينها وبين الله حجاب..!